الأحد، ١٨ يوليو ٢٠١٠

وسام الشرف للعظماء فقط. (1)

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم"من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"رواه المسلم في صحيحه. هذه الجملة النبوية الرائعة تمثل ميزانا دقيقا في السباق الجاري بين بني البشر في حياتهم، لأنها تضع الانسان حيث يستحق أن يوضع، وتعبر عن الفرد الحر واستقلاليته النوعية وتميزه عن الأخرين، والمطلوب منه أن يكون ذالك الذي يواصل يومه بليله لكسب الوقت والوصول لمراتب العظماء في الدارين، كما توضح لنا أن قيمة الانسان ما يحسن انجازه في لحظات عمره الغالية، وأنفاسه المتتابغة لا ما يتمناه، وأن السباق في الحياة البشرية أمر طبيعي حقا، بل هو ضرورة ملحة لإحداث التغيرات المنشودة في مسيرتنا، والتنمية المطلوبة في كل عصر من العصور، {فليتنافس المتنافسون} منهج ثابت تتعامل معه الأمم بحق أوبباطل كل حسب رؤيته للحياة وقوانينها. كما أن التنافس والتسابق من العوامل المهمة للتجديد والابداع، ومقاومة التزمت والجمود، ورفض اتباع التقاليد البالية التي لا تحمل البرهان والمنهجية العلمية والمنطق السليم في حياتنا اليومية أيا كان مصدرها ومنبعها. إن أصحاب النفوس الضعيفة هم الذين يكتفون بالمراتب الواطئة والسير دوما خلف القافلة المجدة، متذرعين بحجج واهية تتناسب مع معنوياتهم المنهارة، وتغذي نفوسهم المريضة، ويبذلون كل جهد ممكن للدفاع عن أمراضهم الاجتماعية وثقافاتهم الموروثة الخاطئة وتقاليدهم البالية المنحرفة، مرددين، فعلا أو قولا، المقولات التي سجلها القرآن الكريم، كقوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، رافضين اتباع الطرق السوية والمستقيمة،والتي يرشدنا إليها القرأن { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
وهذا شأن العاجزين الذين لا يجدون لذة البحث عن الحقيقة، وتوظيف طاقاتهم وإمكاناتهم المادية والمعنوية من أجل العمل الجاد، والانتاج المثمر، وكأنهم لا يعنيهم ما يدور حولهم من التطورات المتسارعة، وأسباب القوة والغلبة والتمكين. انظر إلى هذا الحوار بين الرسل وبين العاكفين على أباطيلهم، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُون} منطق مقلوب وميزان معكوس مبني على عناد الحق والحقائق والرضى بالأوهام الآسرة قلوبهم والتي تهيمن على أحوالهم وتتحكم على مجريات حياتهم اليومية، و تجعلهم يهربون من أضواء الصباح إلى دهاليز الجحورالمظلمة.
ولله درّ شاعر النيل حافظ إبراهيم القائل: وهم يقلد بعضهم بعضا به = وقيود هذا العالم الأوهام!
"من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي جملة واحدة من حديث طويل: (مَنْ نَفّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنْيَا، نَفّسَ اللّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَسّرَ عَلَىَ مُعْسِرٍ، يَسّرَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي الدّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِما، سَتَرَهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَاللّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهّلَ اللّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إلى الْجَنّةِ. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرّحْمَةُ وَحَفّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ أَبَطأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ). رواه مسلم في صحيحه.
هذه العبارات الجليلات الواردة في هذا الحديث الشريف تجمع بين جزالة الألفاظ ورقي المعاني، المفيدة والمفعمة بقوة الترابط والتساند،وحكمة الشمولية واتساع رقعة التعاون على البر والتقوى،وهو ما يضمن قوة وتماسك المجتمع الانساني عندما يتبع سنن هذا الدين وتعاليمه. فتنفيس الكرب عن الناس جميعا من سنن الهدى، بل الشفقة والرحمة تشمل الحيوانات والبيئة ، وما أكثر الكرب التي تحتاج إلى التنفيس والتفريج في حياتنا، وتخفيف المعاناة ومحاربة الفقر ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، إنها مجالات إنسانية تسعى إلى تحقيقها البشرية بوسائل متنوعة. وكلمة (من ستر مسلما) تعني أمورا كثيرة، أولها حفظ الأسرار وصون الألسن من ولوغ أعراض الناس وحماية المجتمع من القيل والقال، والسعي إلى نشر فضائله وجمالياته المتوفرة، وتلك خصال كريمة تساعد المجتمعات على غرس معاني الأخوة والمحبة والأمن الجماعي والاستقرار المادي والمعنوي، بدل التفكك والكراهية والأحقاد التي تنشأ عن الاشتغال بإذاعة الفواحش ونشر الأكاذيب، وهدم بنيان الأمة وقوعد الأمن والسلام. أما العبارة (وَاللّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) فإنها تفتح أبواب الخير كلها أمام الإنسان، وتشمل كافة مجالات الحياة للتقرب إلى الله وحصول عونه ومدده، ومهم جدا ألا نبخل بفعل الخيرات على أنفسنا. وفي الحديث فضل العلم، وفضل طلبة العلم وما يحوزونه من شرف وسعادة ورحمة ودعاء الملائكة لهم، كما أن إعلان شرفهم في الملأ الأعلى جائزة ذات قيمة عالية، يمنحها الله لأهل المراكز العلمية، مثل: المساجد، والمدارس، والجامعات، ومنازل الخير، أو أي مكان على الأرض، يتداول فيه العلم النافع. لأنها المنارات التي تبدد الجهالات وتخلق المناخ الذي يهيؤ الحياة الكريمة والسعادة في الدارين. إن الوصول إلى هذه الرتبة العالية، المضمون عواقبها، المحمود نتائجها، حلم لكل العقلاء الشرفاء، وساحة تنافس للعظماء العاملين، أصحاب الهمم العالية والأحلام الجميلة، والنفوس الأبية، لأن هولاء هم الذين لا يتسرب إلى نفوسهم الياس والعجز مهما تعاظمت الصعاب وتراكمت الأزمات، وأظلمت الدنيا عليهم.
يقول الشاعر :
إصبر على مضض الإدلاج في السحر = وللرواح على الحاجات والبكر
لا تعجزن ولا يضجرك مطلبه = فالنجح يتلف بين العجز والضجر
إني وجدت وفي الأيام تجربة = للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في شيء يطالبه = فاستصحب الصبرإلا فاز بالظفر
كيف الحصول على وسام الشرف هذا؟! إن نظرة سريعة على هذا الحديث تدل على المعاني الجليلة الجميلة التي تملؤ الكون عبقا وطيبا، وتبعث فيه الروائح الزكية. غير أن القيام بهذه الأعمال العظيمة يتطلب منا جميعا، أن نعمل بشغف وتواصل ورغبة صادقة لا تعرف الكلل ولا التردد، حتى نستحق أن نتبوء تلك المراتب العالية.
والعمل الصحيح الناجح يمكن أن يتحقق فقط في بيئة تزدهر فيها العلوم والمعارف، وتبرز في ساحتها طبقات من الرجال والنساء الذين يعقدون العزم على التغيير الايجابي، الأمر الذي لا يمكن أن يحققه الجاهلون أوالغافلون، أو أن يطمح إليه القاعدون عن العمل الجاد، أو أن يقوم به المنشغلون بتوافه الأمور وسفسطائياتها الممجوجة. ولابد من الكفاح المستمر من أجل اسعاد البشرية ورفع لواء القيم الحضارية والتقدم المنشود، ومعلوم أن الخروج من النفق المظلم والمخازي التي نحن وأمثالنا فيها لا يتحقق الا عبر المعارف ونشر فنون العلم، وتدريب المجتمع على العمل الجاد والكسب المحترم، والصبر على متاعب الحياة، وتضافر جهود المجتمع، وهو مطلب مستحيل انجازه، وبعيد مناله حقا، إلا من خلال تنادي وتوافر همم العظماء من أبنائنا وبناتنا الذين يعقدون العزم على تعمق بحار العلوم والعمل المتواصل ، الهادف إلى التغيير عبر التمسك بثوابتنا الاسلامية والانفتاح الواعي على العلوم والتجارب النافعة في عالمنا المعاصر، ويقبلون دخول السباق المحموم بكل اعتزاز وثقة وفهم واستيعاب لما يدور في الساحة المحلية والدولية، عاملين طواعية، بغية إزالة الركام والأوساخ والأتربة، التي شوهت حياتنا وحضارتنا، وغيرت معالم ديارنا وشردت الملايين من أبنائنا بدون وجه حق، وتركت الملايين في حالة يرثى لها من العوز والخوف والجهل والبطالة، مما أدى إلى تكون مجتمع من الكراهية والأحقاد الدفينة، ومع الأسف الشديد فإن مليارات من إخواننا في الإسلام والانسانية يعيشون اليوم في أوضاع مزرية للغاية يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان، والسبب الجوهري لحدوث مثل هذه الأوضاع الكارثية ناتج عن فشل تلك المجتمعات في انتاج قيادة ناضجة تتمتع بقدرات تمكنها من إدارة وقيادة وتنمية المجتمعات والدول ومعالجة أزماتها الطارئة إن المجتمعات البشرية الراقية في فهمها وفي استيعاب متطلبات المرحلة لا تختلف حول قيمة نشر العلوم وأهميتها القصوى ورصد ميزانيات ضخمة لها للخروج من الأزمات وحل المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية، لأن فهم المعضلات المستعصية وإدراك حقيقة وقيمة ما يعمله الانسان دائما ووضع خطط هادفة واستراتيجيات طموحة، والقدرة على تنفيذ البرامج والمشاريع المرحلية، وتجنب المزالق المثبطة للهمم العالية لهي أمور لا تستغني عن التخصصات الدقيقة والخبرات التراكمية، كما أن نجاح البرامج المختلفة يرتبط بالعمل المنطلق من أرضية صلبة تقودها المعرفة الشاملة لما تحتاجه الأمم والاستراتيجية المرسومة الواضحة التي تحدد معالم المسيرة في مختلف جوانب الحياة، ويرتبط تحقيق تلك المعاني بالحكمة التي يستطيع المرء من خلالها وضع القضايا المصيرية في مكانها المناسب وتنفيذها في الوقت المناسب، حسب حاجة الأفراد والمجتمع في كل ظرف من الظروف.
والمسلمون يشتركون مع غيرهم من البشرية في الحاجة إلى التنمية ونشر العلوم والتغيير الإيجابي، ولكننا حتما مرتبطون بمعايير إضافية توجهنا إلى المقاصد الشرعية الكبرى وإلى توفر سلامة القصد ووضوح الرؤية الشاملة حسب المعاملات المالية والأخلاقية، وانطلاقا من هذه المفاهيم فلابد من السعي الحثيث من أجل تغيير واقعنا المؤلم إلى واقع جديد يوجهنا نحو الحياة ويرفعنا إلى درجة الآدمية، والتي نحن بالفعل في أمس الحاجة إلى الوصول إليها. إن بلوغ مرتبة عالية من العلم والفهم ومعرفة أوضاع المجتمع والاهتمام به إلى درجة الغوص في أعماق مشاكله، والرغبة الدائمة في تقديم الحلول الناجحة يتطلب منا توفر إرادة قوية وعزم لا يلين، وقرار لا يحسن اتخاذه إلا العظماء من رجالنا ونسائنا، الذين يستطيعون تغيير أنفسهم من الداخل أولا، وتبديل عاداتهم السيئة إلى عادات حسنة وثّابة ورائدة.
وهو أمر ممكن إذا اتخذ القرار وصدق العزم، وإن وجود هذا الصنف من الناس هو الضمان الوحيد الذي يحرك الهمم ويوقظ المحتمع من سباته، ويعيد الحياة إلى مجاريها الطبيعية، ويضيف التجديد والتغيير الضرورين إلى أمتنا وبلادنا الحبيبة إلى القلوب . معلوم أن الحياة مليئة بالمنغصات وأنها دوما تستقبل الأحداث الجسام التي تعكر صفو الحياة وتحدث تغيرات جوهرية أحيانا وتشوه رونقها وجمالها أحيانا أخرى، ومن هنا تحدث المنعطفات للشعوب، ويعرف نضجها من عدمه، وقدرة قياداتها على مواجهة الكوارث والأزمات والصعاب، وعدم قدرتها على ذلك، وتكمن أهمية الشرفاء العظماء في أزمنة المحن والامتحانات عندما يواجهون كافة التحديات بالعمل الشجاع والتضحية الهائلة والعقلية المبتكرة المتحررة من القيود المكبلة للانسان، تأتي تلك القيادة القوية الواثقة بنفسها فقط عندما تكون الخارطة مبسوطة أمامها، ويكون منهاج الطريق معبدا والرؤية صافية لا غبار ولا ضباب يحجب الرؤية ويعوق المسيرة، وعندما يكون سالك الطريق محررا من الأمراض النفسية والمخاوف،والتشويش الذهني، ولديه الثقة الكاملة بأنه سينتصر ويصل نهاية المشوار ويحقق أماله. والأيات الكريمات تعبر عن الرواحل الذين تحملوا المسئولية الجماعية والتحولات التاريخية ثبتوا عندما انتكس المنافقون الضعاف أمام زحف جبابرة المشركين، صمدوا أمام الهجمات العاتيات مختارين غير مكرهين، متعاملين مع الحقائق والثوابت مدافعين المصالح العليا للأمة وكرامتها، استجابة لنداء الله ورسوله.
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } سورة أل عمران الأيات 72-74 لنقف قليلا على عظمة هذا الصنف من البشر، وتلك النماذج الفريدة في نوعها، إنهم خرجوا من معركة طاحنة قتل منهم أكثر من سبعين صحابيا، وجرح العشرات منهم في غزوة أحد، وهم بهذه الحالة الخطيرة مشغولون بدفن الشهداء ومداوات الجرحى ويعانون الام من فقدوا، فإذا يعلن قائد الأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجا لمعركة أخرى جديدة، وهي غزوة حمراء الأسد للخروج إلى جيش قريش الذي عزم احتلال المدينة المنورة واجتثاث جدور الاسلام، فلبى الجميع نداء القداسة ولم يترددوا، ولم يشترك في هذه الغزوة غير الذين خاضو غزوة أحد، فكيف كانت الاستجابة؟
كانت تتناسب مع مقام الرعيل الأول وتلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتناسب مع الأحرار، سمتهم البارزة الخدمة المتفانية لمقتضى منهجهم ورسالتهم ولا يهمهم غير ذلك، يقول الله فيهم وفي أمثالهم:{ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا} سورة الأحزاب الية 39 لا يلتفتون إلى ذواتهم ولا يبالون ما يصيبهم أثناء قيادة الحياة، ولا يتهافتون على حطام الدنيا ولا ينخدعون بزخارفها وغرورها، إنهم تاج الحياة، وهم الذين يصنعون الفروق بين الأمم والشعوب وبين الأفرد والعائلات، وبين الدول والامبراطوريات، والإيمان بفلسفة الحياة والتضحية من أحلها والتجرد لقيادة المجتمعات ونكران الذات، هي الصفات التي تقرب بين العظماء لدى الأمم المختلفة في عاداتها وتقاليدها، وفي مبادئها وإديانها، وتلك الصفات هي التي تقنع الشعوب بعظمة هذا الانسان أوقزامته، وهي التي تعطي الشهادات الحقيقية للذين يستحقونها حيث ترفع أناسا إلى مرتبة الشرف الأولى، يصبحون نجوما في كبد السماء يستهدي بانوارهم الأخرون في شئون حياتهم، أو في دنياهم ودينهم، إنهم قادة نجباء ترفع قدرهم الأمم وتعظمهم، وتظل اسماؤهم منحوتة ومنقوشة في أعلى السلاسل الجبلية وقممها الشامخة.
وهناك صنف أخر من أشباه القيادات يبذلون كل جهد ممكن لتحقيق رغباتهم العاجلة وهم دوما يحاولون تقليد العظماء والتشبه بالشرفاء، وإذا احسوا بالعجز والاخفاق زوروا الحقائق والمؤهلات، فسرعان ما تتكشف أوراقهم لعامة الناس وخاصتهم فلا تنطلي أكاذيبهم على أحد فيرفضون من قبل شعوبهم فتلفظهم نفوسهم فتنحط مراتبهم الزائفة من القمم الوهمية الكاذبة متدحرجة حتى ترتطم بالأرض، وعندها تصبح ذكراهم خزيا وعارا لعنة تطاردهم وتجعلهم في اسفل السافلين في ذاكرة الشعوب.

ليست هناك تعليقات: